الرئيسية / أخبار /  التعليم في السجون البحرينية.. حق إنساني وروح إصلاحية..بقلم عبده حمد الدوسري

 التعليم في السجون البحرينية.. حق إنساني وروح إصلاحية..بقلم عبده حمد الدوسري

تقرير البحرين/المنامة/ نشرت وكالة أنباء البحرين (بنا) أمس الثلاثاء الخبر الذي أعلنت وزارة الداخلية من خلاله “أن الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل قامت بتنظيم اختبارات القبول للنزلاء الراغبين في استكمال دراستهم الجامعية، بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي”، الخبر ربما يكون من الأخبار المعتادة في أجهزة الإعلام البحرينية إلا أنه بمقاييس أخرى حقوقية وانسانية يستحق الاهتمام والوقوف عنده وقراءة ما خلف سطوره ومراميه.

يقول الخبر أن عملية تنظيم اختيارات القبول للنزلاء تتم وفق إجراءات أكاديمية معتمدة، وبإشراف مباشر من فريق متخصص من جامعة (بوليتكنيك البحرين)، بما ينسجم مع حرص الإصلاح والتأهيل على تطبيق كافة معايير حقوق الإنسان وفي مقدمتها حقه في التعليم.

وفي هذا الصدد يؤكد العقيد عدنان جمعة بحر مدير عام الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل “أن هذه الإجراءات تأتي ضمن سلسلة من البرامج التعليمية والتدريبية الموجهة لدعم النزلاء أكاديمياً وتأهيلياً، مشيراً إلى أن الإدارة تحرص على توفير كافة السبل لتمكينهم من الحصول على مؤهلات جامعية تسهم في تطوير قدراتهم وتعزز من فرص اندماجهم في المجتمع بعد قضاء محكوميتهم”.

وفي سياق متصل قام وفد من المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والأمانة العامة للتظلمات بزيارة مركز إصلاح وتأهيل النزلاء للاطلاع على سير الامتحانات وأوضاع النزلاء المتقدمين، حيث أشادوا بجهود وزارة الداخلية ودعمها المستمر لتمكين النزلاء من مواصلة تعليمهم الجامعي.

قراءة حقوقية

من منظور حقوق الإنسان، يبرز الخبر التزام البحرين بمبدأ أساسي نصت عليه المواثيق الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 13)، الذي يؤكد على أن التعليم حق للجميع، بمن فيهم الأشخاص المحرومون من حريتهم. إتاحة فرصة التعليم الجامعي للنزلاء داخل المؤسسات الإصلاحية تمثل خطوة مهمة في تعزيز هذا الحق، وتؤكد أن العقوبة السالبة للحرية لا ينبغي أن تتحول إلى حرمان من الحقوق الأساسية الأخرى.

إضافة إلى ذلك، مشاركة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والأمانة العامة للتظلمات في الإشراف والاطلاع على سير الامتحانات تمنح مصداقية أكبر لهذه الخطوة، وتُعزز مبادئ الشفافية والمساءلة، وتفتح بابًا لمراقبة مستقلة تكفل أن العملية التعليمية داخل السجون ليست مجرد دعاية إعلامية، وإنما واقع ملموس يتماشى مع التزامات البحرين الدولية.

قراءة إنسانية

أما على المستوى الإنساني، فإن تمكين النزيل من استكمال دراسته الجامعية يفتح أمامه نافذة أمل جديدة، ويكسر الصورة النمطية عن السجن بوصفه مكانًا للعقوبة فقط. التعليم هنا يتحول إلى أداة إصلاح وإعادة تأهيل، وهو ما يعيد للنزيل ثقته بنفسه، ويمنحه فرصة واقعية لإعادة الاندماج في المجتمع، وتجاوز مرحلة العزلة والوصم الاجتماعي الذي يلاحق الكثير من المفرج عنهم.

إن السماح للسجين بأن يكون طالبًا جامعيًا، وأن يخوض اختبارات أكاديمية بإشراف جامعات وطنية مثل (بوليتكنيك البحرين) يرسخ رسالة جوهرية: أن الإنسان ليس خطأه، بل قدرته على التعلم والتغيير، هذه الخطوة ليست خدمة للنزلاء فحسب، بل هي أيضًا استثمار في المجتمع، لأنها تهيئ أفرادًا أكثر قدرة على المساهمة بعد الإفراج عنهم، وتقلل من معدلات العودة إلى الجريمة.

الخطوة الحقوقية من زاوية دينية

أما إذا نظرنا بعمق إلى هذه الخطوة البحرينية من زاوية دينية يفتح أفقًا أعمق، إذ يربط السياسة الإصلاحية الحديثة بجذور حضارية راسخة في الإسلام.

أولًا: التعليم في السجون كفريضة حضارية

الإسلام جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، كما ورد في الحديث الشريف: “طلب العلم فريضة على كل مسلم” (رواه ابن ماجه). وبالتالي، فإن تمكين النزيل من استكمال دراسته الجامعية، حتى وهو في حالة عقوبة، يتماشى مع هذا المبدأ؛ لأن السجن لا يلغي إنسانية الفرد ولا يسقط عنه حقه في العلم.

ثانيًا: البعد الإصلاحي في العقوبة

العقوبة في الفقه الإسلامي ليست للانتقام، وإنما لتحقيق مقاصد الإصلاح والردع، والقرآن الكريم يؤكد

“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” (النحل: 90)، ومن هنا فإن تحويل السجن إلى بيئة للتعليم والتأهيل يعكس المعنى الأسمى للعقوبة: إصلاح الفرد ليعود إلى المجتمع نافعًا.

ثالثًا: الرحمة والكرامة الإنسانية

من زاوية دينية، حتى المذنب يظل إنسانًا له كرامة مصونة. القرآن يقول: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” (الإسراء: 70)، وهذا التكريم لا يسقط بارتكاب الجريمة. بل إن فتح باب التعليم أمام النزيل يُعتبر صورة من صور الرحمة التي أمرنا بها الإسلام، والتي تعطيه فرصة للتوبة وتجديد الحياة، قال تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ” (الزمر: 53).

رابعًا: رد الاعتبار وإعادة الاندماج

الدين الإسلامي يهدف إلى إعادة إدماج الفرد في مجتمعه بعد الخطأ، لا عزله إلى الأبد. وقد كان الرسول صل الله عليه وسلم يتعامل مع المخطئين بفقه الرحمة، فيعطيهم فرصة لإصلاح أنفسهم.

وفي هذا السياق، فإن تمكين السجين من أن يصبح متعلمًا أو حاملًا لشهادة جامعية يرفع من شأنه أمام نفسه وأمام المجتمع، ويجعله أقدر على أن يبدأ حياة جديدة بعيدًا عن الانحراف.

خلاصة الرؤية الدينية

يمكن القول إن الخطوة البحرينية تمثل انسجامًا عمليًا مع روح الشريعة الإسلامية، فهي تعطي العقوبة بعدًا إصلاحيًا، وتجعل من التعليم وسيلة للتوبة والتهذيب، لا مجرد وسيلة للكسب المعرفي. إنها سياسة حقوقية في ظاهرها، لكن في عمقها هي ممارسة دينية أخلاقية تتماشى مع مقاصد الشريعة في حفظ الكرامة الإنسانية، وتزكية النفس، وتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع.