تقرير البحرين/المنامة/ رحل عن دنيانا أمس رجل من أبرز رجالات الاقتصاد في البحرين والخليج، الوجيه الأستاذ خالد محمد كانو، عن عمر يناهز الرابعة والثمانين، بعد مسيرة حافلة بالعطاء امتدت عقودًا طويلة،
الراحل كان واحدا من أبرز أبناء الجيل القيادي في البحرين، وقد ترأس مجموعة يوسف بن أحمد كانو العريقة التي تأسست في العام 1890، وقاد توسعها الإقليمي ليضم قطاعات متنوعة تشمل التجارة والسفر والشحن والعقارات والخدمات اللوجستية، مما ساهم في تعزيز الحضور الاقتصادي للمملكة على الخارطة الاستثمارية العالمية. ولم يقتصر عطاؤه على ذلك، فقد شغل منصب رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين في دورتها الخامسة والعشرين، وساهم في تأسيس جمعية الشركات العائلية البحرينية، كما شارك في مجالس إدارات عدد من البنوك والمؤسسات الاستثمارية المهمة، ليترك بصمة بارزة في مسيرة الاقتصاد الوطني.
ولم يتوقف دوره عند حدود الاقتصاد، بل امتد إلى الثقافة والعمل الاجتماعي، إذ عُرف بشغفه بالفنون والآداب، وأسهم في تطوير جائزة يوسف بن أحمد كانو ودعم البحث العلمي والفن التشكيلي، وكان وراء مبادرات ثقافية مهمة من بينها متحف العائلة الذي يعكس عمق ارتباطه بالقيم والتراث. وبرحيله، فقدت البحرين رجل دولة ورجل عمل جمع بين الاحترافية والتواضع، ومنارة اقتصادية وثقافية كرّس حياته في خدمة وطنه ومجتمعه.
وُلد خالد محمد كانو في المنامة عام 1941، وتلقى تعليمه الابتدائي في البحرين، قبل أن ينتقل إلى لبنان لإكمال دراسته الثانوية، ثم واصل تعليمه العالي في الولايات المتحدة حيث حصل على شهادة البكالوريوس في التجارة من جامعة تراي ستيت عام 1969. كما التحق ببرنامج الإدارة التنفيذية بكلية هارفارد للأعمال، ما منحه رؤية أوسع ومهارات قيادية أهلته ليكون في طليعة رجال الأعمال في المنطقة.
عاد إلى البحرين عام 1969 ليلتحق بمسيرة عائلية طويلة في مجموعة يوسف بن أحمد كانو، فبدأ عمله كمساعد مدير فرع الشركة في أبوظبي، ثم تولى مسؤولية فروع المجموعة في الإمارات وسلطنة عمان، وأسهم لاحقًا في تأسيس وتطوير عمليات الشركة في جدة والدمام بالسعودية، قبل أن يتقلد منصب العضو المنتدب عام 1995، ثم رئيس مجلس الإدارة عام 2018. وفي عهده، قاد المجموعة لتصبح واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية العائلية في الخليج.
إلى جانب مسؤولياته التجارية، شغل الراحل عدة مناصب عامة، من بينها رئاسة غرفة تجارة وصناعة البحرين، وعضوية مجلس التنمية الاقتصادية، وعضوية مجلس إدارة مؤسسة نقد البحرين (المصرف المركزي حاليًا). كما أسس أول مركز متخصص لعلاج وبحوث مرض السكري في المملكة بالتعاون مع جامعة هارفارد، وهو ما يعكس اهتمامه البالغ بالجوانب الصحية إلى جانب اهتماماته الاقتصادية.
وكان له أيضًا دور اجتماعي بارز، فقد أسس جمعية الشركات العائلية البحرينية، وشارك في إطلاق فرع السعودية لمنظمة الرؤساء الشباب. كما ترأس لجنة يوسف بن أحمد كانو الخيرية التي موّلت العديد من المشاريع، بما في ذلك بناء مساجد ومدارس ومستشفيات، فضلاً عن إنشاء مركز مبارك كانو الاجتماعي بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية، والذي نال جائزة الأميرة سبيكة لتمكين الأسر المنتجة.
وعلى الصعيد الثقافي والفني، ترأس تحرير مجلة “كانو الثقافية”، وكان رئيسًا لمجلس أمناء جائزة يوسف بن أحمد كانو. كتب مؤلفات مهمة توثق تاريخ العائلة وإسهاماتها، منها: “بيت كانو.. قرن من الأعمال التجارية لشركة عائلية عربية” و”غرفة تجارة وصناعة البحرين والتحديات المستقبلية لغرف دول مجلس التعاون الخليجي”. كما كان عاشقًا للفن التشكيلي وشارك بمعارض شخصية، أبرزها معرضه عام 2016 تحت عنوان “بداية جديدة”.
برحيل خالد محمد كانو، فقدت البحرين رجلًا جمع بين الرؤية الاقتصادية العميقة، والالتزام الوطني، والحس الثقافي، والعطاء الإنساني. سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الوطن كرمز للريادة والتفاني، ورجل أعمال آمن بأن الاقتصاد ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لخدمة المجتمع وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.