تقرير البحرين/ في قلب مدينة المحرق، حيث تتداخل الأزقة القديمة مع نبض التحديث، جاءت زيارة السيد سلمان بن عيسى بن هندي المناعي، محافظ محافظة المحرق، كمشهد يؤكد تلاحم الإرادة الرسمية مع روح المكان وأحلام أهله. لم تكن الجولة التفقدية التي قام بها المحافظ مجرد بروتوكول إداري أو مرور روتيني على مواقع المشاريع، بل كانت خطوة ذات أبعاد رمزية تؤكد أن الرؤية الملكية السامية لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ليست مجرد خطوط تخطيطية على ورق، بل واقع يتم تشكيله بعناية على أرض المدينة، ليربط بين ماضيها المجيد ومستقبلها الطموح.
أبرز ما ميّز هذه الزيارة هو توقيتها المتزامن مع تسارع وتيرة الإنجاز في عدد من المشاريع النوعية، لا سيما مشروعي تطوير قصر الشيخ عيسى الكبير وجامع الشيخ عيسى بن علي، وهما معلمان يتجاوزان قيمتهما المعمارية إلى عمق حضاري وثقافي يمثل ذاكرة الوطن. وكان لافتًا أن المحافظ شدد على أهمية الالتزام بأعلى المعايير، في إشارة واضحة إلى أن الغاية تتعدى مجرد الترميم، لتبلغ إعادة إحياء للروح البحرينية التي نشأت حول هذه المعالم.
إشادة المحافظ بالوزارات والجهات الرسمية والقطاع الخاص لم تأتِ في سياق مجاملة معتادة، بل عكست إيمانًا بدور الشراكة والتكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في إنجاح المشاريع الوطنية. وهنا تبرز فلسفة تنموية قائمة على إشراك المواطن في صياغة واقع بلاده، باعتباره ليس متلقياً فقط، بل شريكاً حقيقيًا في البناء، وفي واحدة من أكثر لحظات الزيارة تعبيرًا عن العلاقة بين القيادة والشعب، نقل المحافظ أمنيات الأهالي بلقاء جلالة الملك في قصر الشيخ عيسى الكبير بعد اكتمال مشاريع التطوير، وكأن هذا اللقاء المرتقب سيكون لحظة تتويج للوفاء المتبادل بين من يقود ومن ينهض.
دور محافظة المحرق لا يقف عند حدود المتابعة الإدارية، بل يمتد إلى أن تكون المحرك الحيوي لمشروعات التنمية، والرابط الفاعل بين احتياجات الأهالي والتوجهات الاستراتيجية للدولة. فهي تمارس مسؤوليتها بوصفها حاضنة للذاكرة الوطنية، وحارسة للتوازن بين الحفاظ على التراث والانفتاح على الحداثة.
شهدت المحرق في الأعوام الأخيرة قفزة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية وتحسين الخدمات، بداية من تطوير المعالم التراثية إلى تأهيل الأسواق الشعبية وتوسعة الواجهات البحرية، وكلها جهود أسهمت في تعزيز مكانة المدينة كمركز ثقافي واجتماعي نابض، ولعل أبرز ما تحقق من خلال هذه الديناميكية التنموية هو تعميق حس الانتماء لدى السكان، خاصة مع اتساع مساحة العمل المجتمعي، وتكريس مفهوم الشراكة بين المؤسسات والأفراد، وتوفير بيئة تشجع على الإبداع والمشاركة الفاعلة في التنمية.
إن زيارة محافظ المحرق تعكس صورة نموذجية عن البحرين التي توازن بين الأصالة والتجديد، وتؤمن بأن التنمية الحقيقية لا تكتمل إلا حين تصبح مشروعًا مشتركًا بين الدولة والمجتمع. إنها زيارة تختصر معاني الانتماء، والمسؤولية، والرؤية الملكية التي تسعى إلى أن تظل المحرق، بكل ما تمثله، عنوانًا مضيئًا في سجل الذاكرة البحرينية.