الرئيسية / أخبار / البحرين وصياغة المستقبل الخليجي: قراءة سريعة لاتفاق الأمن والازدهار الجديد..بقلم خالد ابواحمد

البحرين وصياغة المستقبل الخليجي: قراءة سريعة لاتفاق الأمن والازدهار الجديد..بقلم خالد ابواحمد

تقرير البحرين/ أمس الخميس أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، ومملكة البحرين، والمملكة المتحدة عن انضمام المملكة المتحدة إلى اتفاق التكامل الشامل للأمن والازدهار (C-SIPA)، وهو إطار يهدف إلى تعزيز التكامل الأوسع في منطقة الشرق الأوسط، وتقوية الردع المتبادل ضد التهديدات الخارجية، وتوسيع التعاون لتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، هذا الاتفاق (C-SIPA) الذي قامت كل من الولايات المتحدة ومملكة البحرين بالتوقيع عليه في 13 سبتمبر 2023م.

وفي ظل الظروف التي تمر بها الساحة الدولية عامة ومنطقة الشرق الأوسط خاصة ينبثق اتفاق التكامل الشامل للأمن والازدهار (C-SIPA) كحالة جديدة من التحالفات الذكية التي تتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية التقليدية، لتؤسس لنموذج تعاون متعدد الأبعاد يجمع بين الأمن، الاقتصاد، والتكنولوجيا، وبينما تُشكّل البحرين ركيزة هذا الاتفاق بصفتها الدولة الخليجية الوحيدة الموقّعة حاليًا، يبرز سؤال مصيري: كيف يمكن لدول الخليج الأخرى أن تستثمر هذا التوقيت لتأسيس تعاون فعّال ضمن هذا الإطار الجديد؟.

إن دول مجلس التعاون الخليجي التي طالما سعت نحو منظومات تعزز أمنها الجماعي وتدفع مشاريع التنمية، إلا أن أغلب المبادرات السابقة بقيت أسيرة التنسيق السياسي دون أن تنجح في بلورة مسارات تكاملية ذات أثر ملموس. بينما يأتي اتفاق C-SIPA ليقدّم فرصة فريدة لإعادة تعريف مفهوم التعاون الخليجي، لا من باب الاستجابة فقط، بل من بوابة المبادرة والابتكار.

مملكة البحرين اختارت أن تكون في هذا الموقع لا أن تترقّب بانضمامها المبكر للاتفاق في 2023، ومواصلتها الدفع نحو تفعيله في شراكة ثلاثية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فهي لا تتصرف وفق مبدأ الحجم، بل بناءً على استباق استراتيجي. هذا النموذج يمكن أن يكون ملهمًا لبقية دول الخليج، التي تملك أدوات السيادة لكنها أحيانًا تتردد في ترجمتها إلى تحالفات تنفيذية فعلية.

التهديدات في المنطقة لم تعد تقليدية، فهي تتراوح بين الهجمات السيبرانية والتضليل الإعلامي، وحروب الطائرات المسيّرة، ولا يمكن لأي دولة مهما بلغت قوتها أن تواجه هذه المخاطر منفردة، من هنا، يبرز C-SIPA كإطار يوفر مظلة تعاون دفاعي–تقني–اقتصادي لا يشترط التوافق الكامل، بل يتيح التدرّج والمرونة. وتشارك دول الخليج في هذا الاتفاق يعني الانتقال من لغة “التطمينات” إلى هندسة “الردع المشترك”.

وحسب ما فهمته من بين السطور أن هذا التعاون لا يجب أن يقتصر على المجال الأمني، بل عليه أن يستثمر الركيزة الثالثة للاتفاق: العلوم والتكنولوجيا، إذ يمكن لدول الخليج أن تبني “مسرّعات ابتكار إقليمية”، تربط بين مراكز بحث محلية وجامعات ومؤسسات غربية، وتؤسس لجيل جديد من الكفاءات المحلية القادرة على تأمين القوة الرقمية والسيادية للمنطقة.

على مستوى الاقتصاد، لم تعد المنافسة بين الدول الخليجية وحدها كافية، بل أصبحت الحاجة ملحّة لتوحيد الرؤى من خلال صناديق استثمارية مشتركة، ومشاريع طاقة وتقنيات خضراء تحمل طابعًا جماعيًا، وهنا يقدّم C-SIPA فرصة لتأسيس منصة تمويل وتعاون اقتصادي لا تخضع للتوازنات السياسية الآنية، بل تُبنى على رؤية استراتيجية تتجاوز الأزمات.

إن دخول دول الخليج إلى C-SIPA ليس فقط انخراطًا في اتفاق، بل هو موقف من مستقبل المنطقة، ها هي البحرين فتحت الباب، والمملكة المتحدة أضفت البُعد الدولي، والولايات المتحدة منحت المظلة السياسية والتقنية، فهل تغتنم دول الخليج الأخرى الفرصة لتعزيز منظومة أمن إقليمي–ابتكاري قائمة على الشراكة لا الوصاية؟ وهل يعاد تشكيل الخارطة الخليجية بما يتجاوز مفردات التنافس نحو فضاء تكاملي جديد يصون السيادة ويحقق الازدهار؟

ربما هذا هو السؤال الذي سيحدّد ملامح العقد القادم في المنطقة..