الرئيسية / أخبار / في عبثية الحروب وتفاهة الشر !-بقلم هالة محمد جابر الأنصاري

في عبثية الحروب وتفاهة الشر !-بقلم هالة محمد جابر الأنصاري

لن آتي بجديد في هذه المسألة المستعصية التي لطالما شغلت العقل الإنساني منذ أن بدأ فلاسفة الكون البحث في تعقيدات ذلك العقل وميله المتطرف لإشعال نيران الحروب، في محاولة لفهم جذور الصراع الإنساني.

فإلى يومنا هذا، نجد أن المعاناة التي تمر بها الذات الإنسانية لا تنتهي، وهي تحاول الوصول إلى برمجة عقلية منطقية وتصورات ثقافية قاطعة لتفادي وضعية الاحتراب التي لا سقف لها ولا حدود.

ولا تزال البشرية عالقة في دوامة البحث عن إجابات تعينها على تفادي الاقتتال المفضي إلى الدمار، أو على أقل تقدير، تمكنّها من مواجهة اللامعقول عند الوقوع في مصيدة الحروب.

إذ تستمر حيرتها الشديدة في فهم: لماذا يتحارب الناس؟ وأيهما يُعد أصلاً أو أساساً للطبيعة البشرية: العنف أم السلام؟ ولماذا لم يؤثر تحضر الإنسان وارتقاء وعيه الإنساني والمعرفي في كبح ميله للاقتتال الدموي؟ وهل يمكن للحروب حقاً أن تمهد لقيام عالم جديد، كما يبرر قادتها وهم يختبئون في سراديبهم حيث يحركون جيوشهم؟

فلاسفة التاريخ اختلفوا في الآراء، بحثاً في أغوار النفس البشرية المليئة بالتعقيدات للإجابة عن مثل هذه التساؤلات التي تلاحق الإنسان منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل.

ونلاحظ، في هذا السياق، تبدلاً كبيراً في استنتاجاتهم استناداً إلى الحقب الزمنية التي عاصروها ومشاهداتهم للتحولات النفسية والثقافية للمجتمعات عبر العصور.

فمنهم من اعتبر الإنسان كالذئب المفترس في مواجهة من ينافسه على موارده وموقعه، ومنهم من نظر إلى الحرب كأداة لإنهاء الظلم وتحقيق السلام بالقوة، وعن طريقها تولد الحضارات وتجدد حيويتها.

وربما من أكثر الإجابات وضوحاً ما توصل إليه الفيلسوف مايكل روس في كتابه، «لماذا نكره؟ فهم جذور الصراع الإنساني»، حيث استنتج أن من أهم الأسباب المولّدة للعنف بين الناس قضية الصراع على ملكية الأرض، والشعور بالتفوق الديني، أو العرقي، أو الطبقي، أو لنقل الشعور بالعظمة والأفضلية.

وبالتالي، تتحكم العوامل النفسية والثقافية والاقتصادية في واقع الاحتراب واستمراريته، وتتحول مع الوقت، كما توضح دروس التاريخ، إلى هيمنة سياسية واستعراض مَرّضي للقوة، ومحاولات مستميتة لحفظ ماء الوجه بدلاً من حفظ الأرواح، وحقن الدماء، وبناء القدرة على التفاهم الإنساني.

ومن الأفكار الفلسفية الجديرة بالاهتمام لإنقاذ البشرية من تفاهة الشرور، هي أفكار الألماني إيمانويل كانط، صاحب مشروع «السلام الدائم» – Perpetual Peace – الذي كان ينظر للحرب بأنها حالة من الهمجية غير المبررة والواقعة دون محالة عند غياب القانون وغياب العقل، واعتبر أن الجميع فيها خاسر.

ومشروع كانط للسلام الذي طرحه في نهايات القرن السابع عشر، عندما كانت الحروب النابليونية في أوجها، أراد من خلاله تقديم حلول دائمة قائمة على القوانين العقلانية والأخلاقية لتحقيق السلام الدائم كبديل للعنف والثورات والهدنات المؤقتة.

وقد اقترح لذلك شروطاً أساسية، أهمها: عدم التدخل بالقوة في شؤون الدول، وعدم السماح لأي دولة بالقيام بأعمال عدائية تجعل السلام مستحيلاً، مثل الاغتيالات، والتخابر، والخيانات.

كما رأى أنه لا يجوز توريث أو مقايضة أو إهداء أي دولة لدولة أخرى، ولا تكون أي معاهدة سلام صحيحة إذا تضمنت – سراً – نية أحد الأطراف القيام بحرب مستقبلية.

ورغم أن هذا الرجل أسس الفلسفة السياسية الحديثة للسلام، وقدم نموذجاً أخلاقياً راقياً في إدارة العلاقات الدولية قبل أكثر من قرنين، آملاً أن تتعظ المجتمعات من أفكاره، إلا أننا، للأسف، نجد أن اختبارات التاريخ ما زالت تنتهي بسقوط مدوٍ.

وتمضي البشرية في حروب عبثية لا جدوى منها سوى انهيار منظومات القيم والمبادئ والأخلاق ودفنها بجانب ضمائر مروجي الفوضى والعابثين بمصائر البشر.

ومع هذا الواقع المؤلم، وحتى تضع الحرب أوزارها، يبقى الأمل معقوداً على وعي الإنسانية وإرادتها في الانطلاق نحو مستقبل أكثر اطمئناناً وإشراقاً، حيث تسود القيم التي تحترم الإنسان وتدافع عن حقه في أن يحيا بسلام.

* عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة

عن صحيفة (الوطن) البحرينية