الرئيسية / مقالات / مركز الملك حمد..مرحلة جديدة ومسؤولية عظيمة..بقلم خالد أبوأحمد

مركز الملك حمد..مرحلة جديدة ومسؤولية عظيمة..بقلم خالد أبوأحمد

منذ تولي جلالة الملك المعظم مقاليد الحُكم في البحرين وهو يسعى حثيثا لتعزيز القيم الإنسانية النبيلة ليس في البحرين فحسب بل في كل أرجاء المعمورة، والصحفي المقيم والمتابع يدرك أن مصداقية جلالته في طرحه للقيم الإصلاحية والإنسانية التي لمست كافة جوانب الحياة في البحرين لعبت دورا كبيرا ومهما في ما وصلت إليه المملكة من مكانة رفيعة شهد عليها العالم بكل مؤسساته ومراكز الرصد لديه.

بالنسبة للعمل الانساني كان الجهد كبير ويصعب الاحاطة به لما تم فيه من جهود ومن مثابرة، ومن عمل دبلوماسي غير تقليدي مبتكر يواكب كافة التطورات الحديثة في العالم، كل ذلك من أجل المجتمع البحريني الذي يطلع إلى مشاركة العالم في بناء حضارته، ومن هنا رأينا بل عايشنا حقيقة كل مراحل تنفيذ المشاريع التي تدعم هذا التوجه.

الذي جعلني ارتياد هذا المنحى في هذا المقال الخبر الذي بثه تلفزيون البحرين اليوم الاثنين ما صدر عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، مرسوم رقم (96) لسنة 2023 بإعادة تشكيل مجلس أمناء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي برئاسة الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد بن عبدالله آل خليفة، وعضوية عدد من الشخصيات ذات الكفاءة العالية في هذا المجال الحيوي المرتبط بترسيخ معاني التعايش السلمي، وجعلها واقعا بين في عالم تحيطه التحديات التي تهدد وجود الانسان على وجه الأرض.

إن ما يحدث في فلسطين واوكرانيا والسودان وغيرها من بُؤر العنف المسلح تنبئ بخطر كبير جدا في المستقبل القريب، تتمدد فيه نيران الكراهية والبغضاء لا بل نيران تحرق الأخضر واليابس، ما لم يحدث جهد فكري وانساني يجنب العالم هذه الويلات.

من هنا تأتي أهمية المرحلة الجديدة بالنسبة لمركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي بعد اعادة تشكيل مجلس أمنائه من هذه الخبرات التي يعول عليها كثيرا في احداث مرحلة جديدة كليا في ظرف دقيق جدا تمر به البشرية، إن المركز مطالب بعمل كبير في هذه المرحلة يتجاوز الخطط التقليدية إلى تنفيذ استراتيجيات لا توقف الحروب المشتعلة حاليا فحسب، بل تضع موجهات تُرسّخ للمعنى الحقيقي للتعايش السلمي وذلك بالتعاون مع المؤسسات الدولية، ومع الشخصيات البارزة في الساحة العالمية الرافضة لإراقة الدماء والداعية إلى ابتكار حلول حديثة لتغيير وجه العالم من الكراهية والتشدد والتعصب والاحتماء بالكبرياء الزائف إلى التعايش السلمى في محبة وتواضع وألفة فنحن بشر خالقنا واحد فلِم التكبير على الآخرين.

إن مملكة البحرين دون سائر الدول في محيطها العربي والإسلامي مؤهلة للعب دور انساني كبير يتجاوز المنطقة إلى العالم قاطبة، فقد ظلت على مدار التاريخ مهدا للحضارات، واحة للسلام والتسامح والتعايش والمحبة والتفاهم بين مختلف الأطياف، وتعزيز التسامح الديني والمذهبي والفكري، فجاء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم في 2001م، ليزيد من تلألأ البحرين وفاعليتها في خدمة الانسانية بما طرحه جلالته من رؤى وأفكار، فاصبحت البحرين حقيقة وليس محاباة نموذج عالمي رائد للسلام والتسامح الديني والتعايش المشترك بين مختلف الأديان والطوائف.

ان العالم قاطبة يشهد لجلالة الملك حرصه الشديد على التلاقي الإنساني، واشاعة روح المحبة بين الجميع، فلم يكن غريبا على جلالته إنشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وكرسي الملك حمد بن عيسى آل خليفة لدراسات الحوار والسلام والتعايش بين الأديان بجامعة لا سابينزا الايطالية في روما، إضافة إلى الكثير من المواقف في مجالات العمل الانساني حول العالم بأفريقيا وآسيا والوطن العربي وسائر بلاد العالم، والتي وجدت الإشادة والثناء من كل مؤسسات المجتمع الدولي المعنية، هو ما يعني أن المملكة مؤهلة للعب الدور الذي أشرت إليه.

ويحضرني في هذا المقام الكلمة المُعبرة التي قالها الأخ الإمام حسن شلغومي رئيس أئمة فرنسا رئيس اتحاد الشعوب من أجل السلام في إحدى زياراته للبحرين مع وفد فرنسي ضم قادة العمل الديني والسياسي والاجتماعي وقد اجتمعوا في قصر الصخير العامر في حضرة جلالة الملك المعظم هذا الرجل وجه حديثه لأهل البحرين بقوله “أنتم جمعتمونا هنا مسلمين ويهود ومسيحيين وأقباط، في قصركم ومع جلالتكم وفي ضيافتكم، أعدتم لنا الأمل في المستقبل المشرق بإذن الله تعالى، خاصة وأن للملك حمد بن عيسى آل خليفة مقدرة كبيرة على قيادة سفينة التسامح والتعايش بين الشعوب”.

وفي هذا السياق أذكر ونحن وفد يضم رئيس رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية (تعايش) التقينا بسماحة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس لدى زيارته للبحرين لحضور ملتقى البحرين للحوار أشاد سماحة البطريرك بالفكر النيّر والانساني الذي يحظى به صاحب الجلالة، وقال أنه لمس شخصيا من جلالته “محبة وتقدير ونفس نقية تحب الخير والسلام والرفاهية للبشرية جمعاء، وما رعايته الملكية السامية لانعقاد ملتقى البحرين للحوار في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البشرية إلا تأكيد على سماحة جلالته، وما يحمل من أمنيات طيبة لكل الإنسانية في أن تعيش في أمن وسلام واستقرار وعيش مشترك يراعي مختلف التوجهات”.

إن هذه الشهادات في حق مملكة البحرين ومليكها المعظم تؤكد ما لديها من أهمية استراتيجية في الساحة الدولية، وهي تشارك العالم المتحضر صناعة الحياة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فالبحرين لها وجود زاخر في كل مؤسسات العالم السياسية والفكرية والرياضية والثقافية..إلخ، وتعتبر من الدول التي لها مكانة في نفوس الكثير من الشخصيات العالمية الفذة.

وخلاصة القول إن مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي تقع على عاتقه مسؤولية تاريخية كبيرة تتمثل في ترجمة الرؤى الملكية السامية التي من شانها الدفع بالجهود إلى عالم أكثر أمنا، وذلك بالبناء على رؤية كرسي جلالة الملك للدراسات والحوار والسلام والتعايش بين الأديان بجامعة لاسابينزا الإيطالية، وتوسيع هذه الفكرة والانتقال بها إلى مناطق أخرى من العالم، وزيادة اللقاءات مع المفكرين الأحرار في العالم الذين ينتمون للفكر الإنساني المتصالح مع النفس، لوضع استراتيجية ثقافية وإعلامية وفكرية عالمية تنبذ العنف والارهاب، وتعلي من قيمة النفس البشرية وحمايتها من كل أشكال العنف، والعقاب الجماعي وجرائم الحرب، وارتكاب الابادة الجماعية، لأن الإنسان مخلوق كريم على الله، فقد خلق آدم بيديه، ونفخ فيه من روحه، وجعله في الأرض خليفة له تكريماً للإنسان، ووفي هذه السانحة أدعو إلى الاهتمام بالمجال الإعلامي في كل مجالاته المسمومة والمشاهدة والمقروءة وكذلك الاعلام التواصلي الحديث، باعتبار أن الاعلام هو المحرك الرئيسي لعجلة الحياة لا ينجح اي جهد بدونه.

ومن هنا أدعو الله صادقا أن يوفق مجلس الأمناء الجديد لمركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي في هذه المرحلة الصعبة من عمر البشرية.