الرئيسية / أخبار / مها بنت عبدالعزيز آل خليفة..فكر مُتقد ورحيل مُؤلم..بقلم خالد أبواحمد

مها بنت عبدالعزيز آل خليفة..فكر مُتقد ورحيل مُؤلم..بقلم خالد أبواحمد

نعي الناعي صباح الأحد الماضي بنت البحرين الوفية الشيخة مها بنت عبدالعزيز آل خليفة التي رحلت عنا من بعد صراع مع المرض، وكان وقع الخبر على كل من عرفها عن كثب مؤلما للحد البعيد، لأن مثل هذا الفقد ليس فقدان انسان واحد كان عضوا في المجتمع الذي نعيش به، كلا بل فقدان أُمة في شخص، الفقيدة عليها رحمة الله ومغفرته ورضوانه كانت تحمل هم البحرين ودول الخليج بل هم أمتها العربية والاسلامية في قلبها وفي ذهنها، وطالما حملت هذا الهم بين جوانحها كانت تعمل في صمت لترسيخ الكثير من القيم السامية التي آمنت بها والتي من شأنها أن يحدث التغيير الذي كانت تحلم به.

تركز جل حديثها في الحوار الذي أجريته معها (2006م) على عنصر (المعرفة) الأمر الذي أشارت إليه الفقيدة في أحد محاورها المهمة في تناولها للملكية الفكرية من خلال (وثيقة حول الإدارة الاستراتيجية للمعرفة) تلكم الورق التي قدمتها في إحدى المؤتمرات الدولية ممثلة لمملكة البحرين وقد قوبلت ترحاب شديد من الخبراء الذين شهدوا هذا المؤتمر، ونسبة لأهمية التفكير الاستراتنجي الوثيق بالمعرفة خصصت الفقيدة الراحلة في ذلك مقالة كبيرة شكلا ومضمونا تناولت من خلالها أهم مرتكزات التطور والمتمثل في ما أسمته (كيفية إدارة المعرفة في المجتمع) مشيرة فيه إلى التباينات الواضحة بين حضارات الأمم المختلفة ونظمها وقوانينها وما يتصل بالأفكار والتجارب التي مرت بها.

إن الفقيدة نالت تدريب ودراسات متخصصة في الملكية الفكرية من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية بسويسرا، وكتبت الكثير من البحوث ذات اختصاص بالنواحي التطبيقية للملكية الفكرية، وهو ما جعلها بعد ذلك تبحر في هذا العالم الواسع الامتداد، والذي أصبح سببا في تطور الكثير من بلاد العالم المتقدم، لذلك فإن ما خطته الفقيدة الشيخة مها آل خليفة حول الإدارة الاستراتيجية للمعرفة في ذلك الوقت (2007م) يعتبر وثيقة حقيقية دالة على الكيفية التي تدلنا على التطوير والتقدم على أسس إستراتيجية قائمة على إدارة المعرفة، المتمثل في إدارة الجزء المعنوي من أصول الدولة التي تكمّن في المعرفة والخبرة والإبداع الذي يتمتع به مواطنو الدولة وقدرتهم على خلق قيمة اقتصادية لإبداعهم الذهني.

الذين قرأوا مقالات الشيخة مها بنت عبدالعزيز آل خليفة عبر صحيفتي (الأيام) و(أخبار الخليج) يدركون جيدا أنها تأثرت بشكل كبير بمجال الملكية الفكرية الذي رأت فيه مكمن التطور الذي تنشده لبلادها العزيزة مملكة البحرين، حتى مقالاتها في الشأن الوطني كانت لا تخلو من إشارات معرفية ذلك لأنها تخرجت في جامعة ماكجيل (McGill) الكندية العريقة بتخصص في الإستراتيجية ودراسات الشرق الأوسط، كانت حريصة كل الحرص أن تربط دراستها ومجالات اهتمامها بتقدم البحرين وتطورها، لأنها تدرك إدراكا عميقا بأن التنمية المستدامة المنشودة لا تتأتى إلا بالمعرفة، والذين تابعوا إسهاماتها الفكرية عبر الصحف السيارة يدركون أنها تحمل فكرا نيرا حقيق أن ينتشر بين جيل اليوم الذين عاشوا الأزمات الحضارية للأمة العربية والإسلامية، والذين يصطدمون بين الفينة والأخرى بالفارق الشاسع بين إسهام الأمة في صناعة الحياة وإسهامات الآخرين في هذا الميدان البشري الكبير.

في الكتاب الذي أصدرته في 2007م بعنوان (صناعة الذات) وكان لي شرف تقديمه ومراجعته واعداده للنشر تقول الفقيدة العزيزة الشيخة مها آل خليفة ” لا سبيل أمام الأمة العربية لكي تنهض من أزمتها الحضارية إلا أن تعيد صياغة معارفها واهتمامها بالمعرفة بالشكل الذي يحدد لها مكامن الخلل مع النظر إلى التباينات الواضحة والفاضحة بين مخرجاتها الذاتية ومخرجات الآخرين، فليس هناك شك في أنّ الأمة تعاني اليوم من أزمة وجود حضاري وتقبع في هوة يتزايد مداها مع أمم العالم التي تملك زمام التقدم العلمي والتكنولوجي”.

وفي مكان آخر من الكتاب تقول تؤكد على أهمية المعرفة بقولها ” ليس لنا على كل الأحوال، إلا مواصلة العمل والبحث والجهد لمعرفة الداء واستكمال النقص لنكون على مستوى التحدي العلمي والحضاري الذي يطرحه الغرب، وحتى يمكن للأمة ممتطية ركب القدرة والإبداع والاتقان والعمران أن تجسد هداية الإسلام، وأن تطرح بدورها على أمم الأرض تحديها الروحي الأخلاقي الحضاري الذي يحقق للإنسان بعده الروحي والسلام الحقيقي والمعنى الكامل للوجود الإنساني، ولن يتحقق هذا الهدف إلا إذا استكملنا الأداءة المنهجية بالفكر الشجاع الناقد، الذي يتخطى الأساليب الدفاعية التي تقف في جوهرها عند حدود رفع الروح المعنوية وإثارة روح المقاومة عند أبنائها في وجه الهجمات المعادية الشرسة لكل مقومات الأمة وقواعد بنائها. إنّ النظرة النقدية هي أداة منهجية لدفع قوى النهضة والتجديد في فكر الأمة وأدائها”.

من كل هذه السياحة في الأفكار أردت التأكيد على أن الفقيدة الراحلة الشيخة مها بنت عبدالعزيز آل خليفة تغمدها الله بالرحمة والمغفرة لم تكن كاتبة عادية بل كانت مفكرة وباحثة ولها اسهامات كثيرة ربما غير منظورة للانسان العادي لكنها قدمت جهود كبيرة في كل المواقع التي عملت بها وتركت سيرة طيبة بين الناس، ومن هنا اتقدم بالتعازي القلبية لأسرتها الكريمة داعيا المولى سبحانه وتعالى ان يخفف عنهم ألم الفقد وأن يصبرهم.
اللهم يا ذا الجلال والاكرام أكرم أنزلها واغفر لها وارحمها وعافها واعف عنها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد، ونقها من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس.. اللهم آمين.

10 فبراير2022م

smart

عن admin

صحفي وكاتب ومستشار اعلامي