الرئيسية / مقالات / تأهيل الشباب لتحمّل المسؤولية الزوجية- بقلم أ.خديجه القحطاني

تأهيل الشباب لتحمّل المسؤولية الزوجية- بقلم أ.خديجه القحطاني

لا شك أن اجتياح الفكر الغربي لمجتمعاتنا العربية أدى إلى تغيرات خطيرة في نمط حياتنا وأفكارنا ومفاهيمنا وهذا بدوره أدى إلى زيادة التعقيدات في حياتنا اليومية، بسبب التركيز على الاهتمام الكبير بالمظاهر الخارجية والابتعاد عن قيمنا العائلية والمفاهيم الانسانية الراقية التي تربينا عليها، هذه التحولات كان تأثيرها كبيرا علينا في ما يختص بالزواج تحديدا كمفهوم، للدرجة التي فقدت فيها المؤسسة الزوجية الكثير من قدسيتها ومن احترامها، فلم يكن الزواج في يوم من الأيام عبئا ثقيلا على شبابنا كما هو الحال الآن، مما جعلهم لا يفكرون في هذه الخطوة المصيرية.

في العقود الأخيرة تبدلت المفاهيم ومع ابتعاد الناس عن قيم دينهم الحنيف ألغيت الكثير من القيود والمفاهيم والتقاليد واستبدلت بعلاقات منفتحه بين الطرفين، وتردت الأحوال وعرف الناس بعض المشاكل الاجتماعية لم تكن موجودة في السابق، وتصاعدت الأزمات الاقتصادية والتي انعكست على حياة الشباب مما أثر بشكل مباشر في ارتفاع تكاليف أعباء الحياة مقابل ازدياد مماثل في نسبة البطالة بين الشباب وخصوصا الخريجين الجُدد، وأصبح الكثير منهم يفكرون أكثر في متابعة الدراسات العليا، في ظل صعوبات كثيرة بسبب عدم وجود الوظائف الملائمة لتخصصاتهم وهو ما جعل الشاب يبتعدون عن التفكير في الزواج.

إن الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع، لذا فان ترابطها وتماسكها أمر هام وحيوي لتماسك المجتمع وقوته، والروابط بين الأب والأم وأبنائهم هي التي تحدد قوة وتماسك هذا الكيان، هذه الخلية (الأسرة) أعتبرت من أهم المؤسسات في المجتمع الإسلامي فهي الدعامة الأساسية للمجتمع، وعليها تقع مهمة إعداد الأجيال المتعاقبه لتكون ركائز نهضة كل الأمة الاسلامية، وكان الاهتمام بالاسرة معلما متميزا من معالم الحضارة الاسلامية على مدى العصور، ونظرا لأهمية هذه المؤسسة التي يقوم بنيانها على ركيزة العلاقة الزوجية، فقد اهتمت الشريعة الاسلامية بأدق تفاصيل هذه العلاقة، سواء في الجانب العاطفي أو الحقوقي أو الجزائي.

فالحياة الزوجية لها قداستها وأسرارها وعهودها ومواثيقها التي لا يجوز افشاؤها باعتبار انها تمس الجانب المعنوي من العلاقة بين االشريكين، كما هي من أخطر العلاقات الانسانية لأنها العلاقه الوحيدة التي تحدد مستقبل وتاريخ المجتمع، بل الأمة كلها إن وظفت هذه العلاقة لتحقيق أهدافها المرجوة، فتربية الأجيال ورؤيتهم للقدوة الناجحة في علاقتهم الزوجية، سيترتب عليها توريث هذا النجاح من الأبوين للأولاد، ويزيد النتاج المعنوي والاقتصادي بسبب نجاح العلاقة الزوجية.

الزواج هو الاقتران أو الإرتباط، ويقول سبحانه الله تعالى “وإذا النفوس زُوجت” –التكوير7 – لقد فضل الله سبحانه وتعالى بني الانسان فكرمه على كثير من الخلق، وأنعم عليه بنعمة العقل لاكتساب المعارف والعلوم، وسخر له كثيرا من مخلوقاته مصداقا لقوله تعالى “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (الاسراء:70).

ان النجاح في الحياة الزوجية يعني “السعادة” بكل معانيها، وينعكس هذا النجاح على شخصية الشاب ونفسيته، ويكون محترما في نفسه وقدراته وامكانياته فيؤثر ذلك على مجمل تفاصيل حياته، ومن هنا نستطيع ان نغيّر التاريخ كما غيره أصحاب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا ناجحين في حياتهم الزوجية و في تربية أبنائهم، وقد استمدوا هذا النجاح من معلمهم وموجههم في أمور الدنيا والآخرة خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

إنّ النجاح الحقيقي الذي أود التاكيد عليه في العلاقة الزوجية هو أن يكون مرتبطا بقيمنا الدينية إن قصة حب النبي (ص) والسيدة عائشة رضي الله عنها أصبحت مثالا للمودة والرحمة والتراحم فعندما زادت المشكلات وأسباب الطلاق في عصرنا الحالي، يسترجع الكثير من الناس معاملة النبي لأزواجه، لأنه القدوة والمثل الحي في حياتنا كمسلمين، ولقد جمع الحبيب المصطفى والسيدة عائشة العديد من مواقف المودة والرحمة فقد كان عليه الصلاة والسلام يسهر على راحة السيدة عائشة وسعادتها، وهو ما نعتبره قمة النجاح في الحياة الزوجية برغم فارق السن بينهما وعدم الانجاب، إلا انهما استطاعا ان يتغلبا على هذه العوائق في حياتهما الزوجية الناجحة.

نأتي إلى واقعنا اليوم ففي حالة ظهور فكرة الزواج لدى الشباب، الواجب عدم التركيز على الجانب العاطفي والجانب الجسدي فقط، بل عليهم الالتفات إلى أهمية التوافق والتكامل في اختيار شريك الحياة، والالتزام بالحقوق والواجبات بين الطرفين، والتأني وعدم التسرع في اتمام الزواج، ومن الأمور المهمة الواجب إدراكها هو أن يكون لدى الشباب المقبلين على الزواج توافق وتقارب وإندماج فكري وعقلي وثقافي، تلك السمات ضرورية لبناء حياة زوجية سليمة قادرة على اتخاذ القرارات المصيرية لسير الحياة الزوجية والاستمرار لبناء أسرة مستقرة.

ومن هنا يجب على الأسر أن تعمل بجهد كبير على تأهيل أبنائهم قبل التفكير في الزواج لتحمل المسؤولية الزوجية، فليس من المنطقي أن ندفع بأبنائنا وبناتنا للزواج وهم لا يدركون شيئا عن مسؤوليتهم كأزواج، وعليهم أمانة كبيرة وعظيمة يجب تحملها بالشكل الصحيح، إن المجتمع أيضا عليه دور كبير في نجاح أو فشل مؤسسة الزواج، بتقديم النصح للأسر وللأبناء حتى لا يقعوا في الأخطاء التي تؤدي إلى فشل المؤسسة وهي في بداية مسيرتها، فالزواج مسؤولية عظيمة.
———–
*عضوة لجنة العضوية وجودة الحياة – جمعية البحرين للتدريب والموارد البشرية

عن admin

صحفي وكاتب ومستشار اعلامي