بدايات المسار الدبلوماسي البرلماني الناشئ

مع بداية الألفية الثالثة، كانت البحرين على أعتاب تحول سياسي كبير مع إطلاق مشروع الإصلاح الوطني بقيادة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. وجاء دستور 2002 ليعيد الحياة النيابية بشكل كامل، ويؤسس لنظام برلماني ثنائي الغرف يتكون من مجلس النواب المنتخب ومجلس الشورى المعيّن (National Assembly, 2002). هذا التحول لم يكن مجرد إعادة إحياء لمؤسسة تشريعية، بل كان بمثابة إعادة صياغة لدور البرلمان ليكون جزءًا من منظومة العمل الخارجي للدولة.

قبل هذه المرحلة، كانت القنوات الدبلوماسية البحرينية حكرًا على وزارة الخارجية والجهاز التنفيذي، أما مع وجود مجلس وطني متكامل الصلاحيات برزت فكرة أن البرلمان يمكن أن يكون جسرًا إضافيًا للتواصل مع العالم، مستفيدًا من طبيعته التمثيلية التي تمنحه قدرًا من المرونة في فتح قنوات حوار لا تكون متاحة دائمًا للدبلوماسية الرسمية.

التحركات الأولى: رسم ملامح الدور الخارجي

  1. المشاركة في الاتحاد البرلماني الدولي (IPU)
    في العام الأول بعد تشكيل المجلس الوطني، انضمت البحرين رسميًا إلى أنشطة الاتحاد البرلماني الدولي، وأرسلت وفودًا برلمانية للمشاركة في مؤتمراته ولجانه الدائمة، وخاصة لجنة حقوق الإنسان ولجنة شؤون الشرق الأوسط (IPU, 2003). هذه الخطوة لم تكن رمزية فقط، بل فتحت الباب أمام إدراج البحرين كلاعب برلماني في قضايا دولية، وأعطت أعضائها فرصة للتفاعل المباشر مع نظرائهم من مختلف دول العالم.
  2. تأسيس مجموعات الصداقة البرلمانية
    بدأ البرلمان البحريني بإنشاء مجموعات صداقة ثنائية مع برلمانات عربية وأوروبية وآسيوية، مثل برلمانات مصر، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وتركيا (Shura Council Archives, 2003–2005). هذه المجموعات لم تكن مجرد قنوات للتواصل الاجتماعي أو البروتوكولي، بل كانت منصات عملية لتبادل الخبرات، وتعزيز التعاون التشريعي، وتمهيد الطريق لاتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات اقتصادية وثقافية وتعليمية.
  3. المشاركة في البرلمان العربي الانتقالي
    عام 2005، كانت البحرين من الدول المؤسسة للبرلمان العربي المؤقت، حيث شارك وفدها البرلماني في وضع اللوائح الداخلية وصياغة الأهداف العامة للعمل البرلماني العربي المشترك (Arab Parliament, 2005). هذه المشاركة منحت البحرين موطئ قدم مبكرًا في الدبلوماسية البرلمانية الإقليمية، وساهمت في تعزيز دورها في القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
  4. الحضور في المؤتمرات البرلمانية الإقليمية والآسيوية
    شارك ممثلو البحرين في اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي والمؤتمر البرلماني الآسيوي، مقدمين مداخلات حول قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، ومؤكدين على مواقف البحرين الداعمة للاستقرار الإقليمي وحل النزاعات بالطرق السلمية (Union of Arab Parliaments, 2004).

 

السياق الإقليمي والدولي المحيط بهذه البدايات

هذه التحركات جاءت في وقت كانت فيه المنطقة تمر بتحولات سياسية وأمنية مهمة:

  • إقليميًا: كانت حرب العراق (2003) وتداعياتها تلقي بظلالها على الأمن الخليجي، ما جعل قضايا الأمن الإقليمي تتصدر أولويات الدبلوماسية البرلمانية البحرينية.
  • دوليًا: كان العالم يشهد بداية مرحلة جديدة من العولمة السياسية، مع توسع دور البرلمانات الوطنية في صياغة مواقف دولها في المحافل الدولية، وهو ما شجع البحرين على دخول هذا المجال لتعزيز حضورها وصوتها.

 

كيف مهدت هذه البدايات للإنجازات اللاحقة؟

أرست هذه التحركات المبكرة ثلاثة أسس استراتيجية أصبحت لاحقًا أعمدة للدبلوماسية البرلمانية البحرينية:

  1. التواجد المؤسسي الدائم: من خلال عضوية المنظمات البرلمانية الدولية والإقليمية، ضمنت البحرين حضورًا مستمرًا في المحافل البرلمانية الكبرى، مما أتاح لها لاحقًا لعب أدوار أكبر في صياغة القرارات والمبادرات.
  2. بناء شبكات علاقات ثنائية: مجموعات الصداقة والزيارات الثنائية أسست لشبكات تواصل طويلة الأمد مع برلمانات مؤثرة، وهو ما سهل توقيع اتفاقيات وشراكات في مجالات متعددة.
  3. اكتساب الخبرة الدولية: الانخراط المبكر في القضايا الإقليمية والدولية أكسب البرلمانيين البحرينيين خبرة تفاوضية ومعرفية، مكنتهم لاحقًا من التعامل بكفاءة أكبر مع الملفات المعقدة مثل قضايا حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

بهذا المعنى، يمكن القول إن السنوات الأولى بعد 2002 كانت بمثابة مرحلة تأسيس البنية التحتية للدبلوماسية البرلمانية البحرينية، وأن ما تحقق لاحقًا من إنجازات في عهد الملك حمد كان مبنيًا على هذه اللبنات الأولى التي وضعت البرلمان البحريني على خريطة العمل الدبلوماسي متعدد المسارات.

 

 

عن admin

صحفي وكاتب ومستشار اعلامي

شاهد أيضاً

انطلاق مهرجان الكُتاب والقُراء في مدينة الدمام

تقرير البحرين/ الدمام/ أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة، فعاليات مهرجان الكُتّاب والقُراء بنسخته الأولى أمس …